يمكن تعريف الصحة النفسية (mental) بأنها حالة دائمة نسبيا, ويكون فيها الفرد متوافق نسبيا , ويشعر بالسعادة مع نفسه , ومع الآخرين , ويكون قادرا على تحقيق ذاته وإستغلال قدراته وإمكانياته الى اقصى حد ممكم , ويكون قادر على مواجهة مطالب الحياة , وتكون شخصيته متكاملة سوية , ويكون حسن الخلق بحيث يعيش فى سلام.
والصحة النفسية حالة إيجابية تضمن التمتع بصحة العقل وسلامة السلوك , وليست مجرد غياب او خلق من أعراض المرض النفسي , واذا نظرنا إلى تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة WHO , بأنها حالة من الراحة الجسمية والإجتماعية وليست مجرد عدم وجود المرض.
ويشير مفهوم الصحة العقلية (mental health) الى صحة الافكار والسلوك وتؤثر الصحة العقلية على طريقة تفكيرك وشعورك وتنظيم مشاعرك وتصرفاتك , ويتعرض الأشخاص فى بعض الأحيان لاضطرابات كبيرة فى الوظائف العقلية .
اما علم الصحة النفسية هو الدراسة العلمية للصحة النفسية وعملية التوافق النفسي , ما ستؤدى اليها وما يحققها وما يعوقها , وما يحدث من مشكلات واضطرابات وأمراض نفسية , ودراسة اسبابها وتشخيصها وعلاجها والوقاية منها .
إن علم النفس بصفة عامة يدرس السلوك فى انحرافه , وعلم النفس يخدم الصحة النفسية من خلال دراساته العلمية عن طريق الوقاية والعلاج , ويمكن النظر الى علم النفس على أنه علم صحة لما يقدمه من خدمات فى مجال الصحة , وخاصة الصحة النفسية والعلاج النفسي حيث تطبق كل المبادئ فى علاج المشكلات والإضطرابات السلوكية .
اما المرض النفسي يمكن تعريفه بأنه اضطراب وظيفى فى الشخصية , نفسي المنشأ , ويبدو فى صورة أعراض نفسية وجسمية ويؤثر فى سلوك الشخص فيعوق توافقه النفسي ويعوقه من ممارسة حياته السوية فى المجتمع الذى يعيش فيه .
وهناك فرق مابين المرض النفسي والسلوك المرضي , فالسلوك المرضي عابر يلونه الاضطراب الذى يشاهد كأحد أعراض المرض , فقد نشاهد السلوك الهستيري لدى شخص سوي , وقد نشاهد السلوك الهوسي لدى شخص عادى , وهذا يختلف عن الشخص المريض بالهستريا او الفرد المريض بالهوس.
الصحة النفسية للطفل داخل الاسرة
الاسرة تعتبر أهم عوامل التنشئة الاجتماعية , وهى الممثلة الاولى للثقافة وأقوى الجماعات تأثيرات فى سلوك الفرد وهى التى تسهم بالقدر الأكبر فى الاشراف على النمو الإجتماعى للطفل وتكوين شخصيته .
وللأسرة وظيفة إجتماعية ونفسية هامة , فهى المدرسة الإجتماعية الأولى وهى العامل الاول فى صبغ سلوكه بصبغة اجتماعية .
ونحن نعرف أن السنوات الاولى من حياة الطفل تؤثر فى التوافق , حيث يكون الأطفال شديدي التأثر بالتجارب المؤلمة والخبرات الصادمة .
وللأسرة خصائص هامة منها أنها الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها ، وهي المسؤولة عن تنشئة الطفل اجتماعيا وهي التي تعتبر النموذج الامثل للجماعة الأولية التي يتفاعل مع اعضائها وجها لوجه ويتوحد مع أعضائها ويعتبر سلوكهم سلوكا نموذجيا يحذيه.
وقد أجريت عدة بحوث حول دور الآسرة في العملية التنشئيه الاجتماعية للطفل وأثر ذلك في سلوكه وأوضحت هذه البحوث ما يلي:
1- المجتمع الواحد يوجد فيه فروق في التنشئة الاجتماعية بين طبقة وطبقة وبين أسرة وآسرة، والطبقة الاجتماعية مهمه لعملية التوافق بين الفرد الذى يمتلك الصحة النفسية السليمة2- نظام التغذية الذي تتبعه الام مع الطفل في مرحلة الرضاعة يؤثر في حركة ونشاط الطفل. ويجب إتاحة الفرصة الكافية للامتصاص في فترة الرضاعة وتنظيم مواعيد الرضاعة وعدم القسوة في الفطام، والفطام المتدرج والفطام في الوقت المناسب.
3- أسلوب ضبط عملية الاخراج في الطفولة يرتبط في الطفولة بالبخل والحرص والترتيب والنظام ففي الكبر، ويجب اعتدال الوالدين في التدريب على الاخراج.
كلما كانت عملية التنشئة الاجتماعية للطفل سليمة وكلما قل نبذ الوالدين له وكلما كانت اتجاهاتهم متعاطفة وكلما قل الإحباط في المنزل قل الدافع إلى العدوان عند الطفل. والتنشئة الاجتماعية أثر في الميل إلى العدوان وضبطه عند الأفراد.
تؤثر العلاقات بين الوالدين على صحة الطفل النفسية على النحو التالي:
1- السعادة الزوجية تؤدى إلى تماسك الآسرة بما يخلق مناخاٌ يساعد على نموه إلى شخصيه متكاملة ومتزنة.2- الوفاق والعلاقات السوية بين الوالدين تؤدى الى إشباع حاجته إلى الأمن النفسي والى توافقه النفسي.
3- الاتجاهات الانفعالية السوية واتجاهات الوالدين الموجبة نحو الحياة الزواجية ونحو الوالدية تؤدى إلى استقرار الأسرة والصحة النفسية لكافة أفرادها.
4- التعاسة الزوجية تؤدى إلى تفكك الآسرة مما يخلق مناخاٌ يؤدى إلى نمو الطفل نمواٌ نفسياٌ غير سوى.
وتؤثر العلاقات بين الوالدين والطفل على صحة النفسية على النحو التالي:
1- العلاقات والاتجاهات المشبعة بالحب والقبول والثقة تساعد الطفل في أن ينمو إلى شخص يجب غيره، ويتقبل الآخرين ويثق فيهم.2- العلاقات السيئة والاتجاهات السالبة والظروف غير المناسبة تؤثر تأثيراٌ سيئاٌ على الصحة النفسية للطفل.
وتؤثر العلاقات بين الإخوة على الصحة النفسية على النحو التالي:
1- العلاقات المنسجمة بين الإخوة، الخالية من تفضيل طفل على طفل أو جنس على جنس، المشبعة بالتعاون الخالية من التنافس، تؤدى إلى النمو النفسي السليم . هذا ويجب أن يعمل الوالدان حساب سيكولوجية الطفل الوحيد والطفل الأكبر والطفل الأصغر والطفل الأوسط.
2- والعلاقات بين الآسرة والمدرسة مهمة للغاية وخاصة علاقات التعاون لتبادل المعلومات والتوجيهات فيما يتعلق بنمو الطفل. وتقوم مجالس الآباء والمعلمين بدور كبير في هذا الصدد كذلك فإن العلاقات الآسرية وبقية العوامل المؤثرة في النمو النفسي مهمة أيضاٌ .
وهكذا نجد أن المناخ الآسري الذي يساعد على نمو النفسي السوي , يجب أن يتسم بما يلي:
1- إشباع الحاجات النفسية وخاصة الحاجة إلى الانتماء والامن والحب والاهمية والقبول والاستقرار.2- تنمية القدرات عن طريق اللعب والخبرات البناءة والممارسة الموجهة.
3- تعليم التفاعل الاجتماعي واحترام حقوق والآخرين والتعاون والايثار.
4- تعليم التوافق النفسي (الشخصي والاجتماعي).
الصحة النفسية فى المدرسة
1- المدرسة هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بعملية التربية، ونقل الثقافة المتطورة وتوفير الظروف المناسبة للنمو جسمياٌ وعقلياٌ انفعالياٌ واجتماعياٌ.2- وعندما يبداٌ الطفل دراسته يكون قد قطع شوطاٌ لا بأس به في التنشئة الاجتماعية في الاسرة، فهو يدخل مزوداٌ بالكثرة من المعلومات والمعايير الاجتماعية والقيم والاتجاهات و توسع دائرة هذه المعلومات والمعايير والقيم والاتجاهات في شكل منظم
3- وهناك يتفاعل التلميذ مع مدرسيه وزملائه ويتأثر بالمنهج الدراسي بمعناه الواسع وتنمو شخصيته من كافة جوانبها.
وتؤثر العلاقات الاجتماعية على الصحة النفسية للتلميذ والتوافق المدرسي على النحو التالي:
1- العلاقات بينها والتلاميذ التي تقوم على أساس من الديموقراطية والتوجيه والارشاد السليم تؤدى الى حسن العلاقة بمن المدرس والتلاميذ والى النمو التربوي .2- العلاقات بين التلاميذ بعضهم وبعض التي تقوم على اساس من التعاون والفهم المتبادل تؤدى إلى الصحة النفسية.
3- العلاقات بينها والاسرة، التي تكون دائمة الاتصال (وخاصة عن طريق مجالس الاباء والمعلمين) تلعب دورا هاما في إحداث عملية التكامل بينهم .
-وتتعدد مجالات تطبيق الصحة النفسية ، في فلسفتها وفى لم إدارتها وفى مناهجها ومدرسيها والعناية بتلاميذها .
-إن المدرسة التقدمية والتربية التقدمية , يعكس المدرسة التقليدية والتربية التقليدية , رسالتها التربية بمعناها الواسع. فالتربية عملية حياة يعرف فيها الفرد عن طريق نشاطه هو وبتوجيه من المربى. ووظيفة المدرسة التقدمية وهدف التريية التقدمية هي تكوين ونمو وتوجيه شخصية التلميذ من كافة جوانبها جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا في توازن.
الصحة النفسية فى المجتمع
-من الضروري أن نضع في حسابنا أهمية الصحة النفسية في المجتمع بمؤسساته المختلفة الطبية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ... إلخ،-وأن نعمل على تحقيق التناسق بين هذه المؤسسات وهذا يحتم تطبيق اتجاهات الصحة النفسية في المجتمع، لتجنيب أفراده وجماعاته كل ما يؤدى الي الاضطراب النفسي حتى يتحقق الإنتاج والتقدم والتطور والسعادة.
- إن من أهم اهداف الصحة النفسية بناء الشخصية المتكاملة واعداد الإنسان الصحيح نفسيا في أي قطاع من قطاعات المجتمع , وأيا كان دوره الاجتماعي ليقبل على تحمل المسؤولية الاجتماعية , ويعطى للمجتمع بقدر ما يأخذ أو أكثر مستغلا طاقاته وإمكاناته إلى أقصى حد يمكن.
-ولكى يتحقق هذا يجب زيادة النمو الاجتماعي للفرد مثل النمو الاجتماعي المتوافق إلي أقصى حد مستطاع، وإشباع الحاجات النفسية الاجتماعية وتقبل الواقع وتكوين اتجاهات وقيم اجتماعية سليمة، والمشاركة الاجتماعية الخلاقة المسئولة، وتوسيع دائرة الميول والاهتمامات، وتنمية المهارات الاجتماعية التي تحقق التوافق الاجتماعي السوى.
-والصحة النفسية تهتم بدراسة وعلاج المشكلات الاجتماعية الوثيقة ذات الصلة بتكوبن ونمو شخصية الفرد والعوامل المحددة لها مثل مشكلات الضعف العقلي والتأخر الدراسي والنجاح والانحرافات الجنسية ... إلخ، وهذا من أهم ما يمكن بالنسبة للمجتمع. كذلك فإن الصحة النفسية تساعد في ضبط سلوك الفرد وتوجيهه وتقويمه في الحاضر بهدف أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسي كمواطن صالح في المجتمع.
-والصحة النفسية للمجتمع نفسه في غاية الاهمية. إن المجتمع الذي يعاني من التمزق وعدم التكامل بين أجهزته ونظمه ومؤسساته وهيئاته مجتمع مريض. وليس له قدرة على المواجهه و المعيار الأهم والمجتمع الذي تسود فيه ثقافة مريضة مليئة بعوامل الهدم والإحباط والصرع والتعقيد مجتمع مريض.
-عملية التحليل الذاتي للمجتمع تعني الكثير فى معرفة تاريخ المرض النفسي للافراد وتساهم فى علاجه بشكل يؤدي الى النمو و التعريف بأصل الحالة المرضية واللاسوية .
فى النهاية للصحة النفسية دور كبير بشكل عام سواء للطفل داخل الأسرة او فى المجتمع و الأهتمام بالصحة النفسية بشكل إيجابى وسليم يساعد ذالك فى سلامة السلوك ونمو الشخص ل نفسه من كافة النواحى .